وكالة مهر للأنباء-حسن شكر: مجرّد انعقاد المحادثات في استانا يعدّ انجازا للدول الراعية للمفاوضات، لكن ما هو جليّ من سير المفاوضات هو أن ما يحدث هو تكريس للإنجازات الميدانية التي تحققت في الفترة الأخيرة خصوصا تحرير مدينة حلب.
شكليّا فقد ترجمت الحكومة السّوريّة انتصارها في الميدان بحضور قوي قد تمثّل برئاسة عميد الدبلوماسية السّورية في المحافل الدوليّة بشار الجعفري، فيما على الجبهة المقبلة فقد كانت آثار هزيمة حلب مطبوعة على وجه البعض حيث لم تستطع الفصائل المسلحة على الأقل بتوحيد وفدها عدا عن مشكلة إيجاد شخصية قويّة تستطيع ترؤس الوفود الموكلة من قبلها إلى المحادثات.
وما يجب التسليط الضوء عليه هو حجم تشتت المجموعات المسلّحة والّذي يعكس اختلاف وجهاتها في الميدان السّوري أو اختصار رعايتها بتركيا. الموقف الّذي بان فيه "الشتلة" محمّد علوش ربّما أتى لإرضاء السّعودي والقطري الذي أقصي من نادي الدّول الراعية للمفاضات السّوريّة ، ولضمان مبيت له في دوما معقل ما يسمى جيش الاسلام الذي يتزعمها بعد أن انتفض مقرّبين منه لقبوله بحضور المفاوضات مع الحكومة السّورية مما قد يجفف مصادر تمويلهم السعوديّة والقطريّة.
اللاعب أو الحكم الرّوسي الّذي تزعم المشهد السّياسي للمحادثات، كان حاضرا دائما في ملعب المعارضة السّوريّة التي كانت في موقع المدافع المنهك، وهو وإن ساهم في هجمات الحكومة السّوريّة الموفّقة ضد مرمى المعارضة الّذي عانت شباكه السياسية من التمزيق، وجه كناظر وحكم للمفاوضات بطاقات الإنذار في وجه لاعبي هذه المجموعات المسلّحة الّذي كان واضح عليها بأن كل لاعب يغني على ليلاه وطالبها بتشكيلة أكثر انسجاما تحت مدير فني يولي المصالح السوريّة هم أكبر ويعمل لإنهاء الصراع المسلح في سوريا ويركّز على محاربة إرهاب تنظيم داعش والنصرة وأخواتهما.
أما الدّبلوماسي الإيراني فقد حضر بموقع منسجم مع قوة الوفد السّوري وأكّد على أن أهداف هذه المفاوضات هو تثبيت وقف إطلاق النار، كما وشدد على وحدة الأراضي السوريّة، في محاولة لتركيز الأعمال الحربية باتجاه المجموعات الإرهابيّة، وكان لافتا أن الدبلوماسي الايراني قد ألمح إلى رفع العصا لمن يعصي قرار وقف إطلاق النار، وتأكيده على دعم وحدة الأراضي السورية وحق الدولة السوريّة في استرجاع سلطتها على كامل التراب السّوري. الرسالة الإيرانيّة جعلت من عيون علّوش تجحظ رعبا، فما كان منه إلّا أن أكال الاتهامات لإيران ودورها في المنطقة كما وسلف في عاداته القديمة، ربّما لأنه لم يفقه السياسة ولا حتّى العسكر على "بسطة الخضرة" التي كان يعمل عليها قبل الأحداث في سوريا.
أما التّركي الّذي كان موفقا إلى حدّ ما في دعم وقف إطلاق النّار على الرّغم من ان تمويل كل المجموعات المسلحة على الأراضي السورية هو ليس دعما تركيًا خالصًا، يبدو أنّه محرج من موقف المعارضة السّوريّة الّتي على الرغم من هزائمها تظهر عملًا غير حرفيّ في النعوت التي تطلقها، وسيعتبر التركي أنه أنجز المطلوب في حال صدرت عن المحتدثات قرار يفضي إلى دعم وقف اطلاق النّار في سوريا.
الخطوة المستقبليّة للمفاوضات السّوريّة إن كتب لهذه الخطوة النّجاح، فيكمن في التّخلي عن إطلاق النعوت من قبل الطرفين، والاتجاه نحو الكلام السياسي الذي يضمن عمليّة سلميّة تنهي الأزمة بين الأطراف المفاوضة، وتنهي منطق أزيز الرصاص إلى منطق إعادة إعمار البلاد وصناديق الإقتراع وتطهير سوريا من الدنس الإرهابي المتمثل بداعش وجبهة النصرة.
على الصعيد الدّولي فسيكون على الدول الرّاعية للمفاوضات أن تبذل جهدا أكبر في سبيل تحديد الخطوات المستقبليّة وتأسيس قاعدة شعبية للأطراف المتحاورة، وعلى وجه التحديد سيكون على التركي العمل بجهود مضاعفة وسعي دؤوب لإقناع باقي الفصائل في الإنضمام الى المفاوضات التي سترسم مستقبل سوريا بأياد سورية لن يكون فيها تمويل من أي طرف دولي للأطراف السّوريّة.
عسكريًّا، فلا تبدو الفصائل المسلحة قادرة على مواجهة المد العسكري للجيش السوري والحلفاء، وهي بالكاد تستطيع أن تحارب من أجل تثبيت نقاط نفوذها ضد "الأخوة" من الفصائل الأخرى. ويصح القول أنه إذا كانت حلب معبرا لمفاوضات استانا، فقد تكون الباب منطلقا لشبك الأيادي ضد التنظيمات الإرهابية ومدخلا لمفاوضات قد تعقد في دمشق./انتهی/
تعليقك